المسلمون بين الشدائد والبشائر
أ.د. الشاهد البوشيخي - المغرب
لابد من الثمن لأي سلعة، وبما أن سلعة الله الجنة فثمنها غال جدا، لأن الجنة هي مستقر الرحمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله مائة رحمة. فمنها رحمة بها يتراحم الخلق بينهم. وتسعة وتسعون ليوم القيامة" (متفق عليه). فبقسمة واحدة يتراحم جميع الخلائق منذ كانت الدنيا حتى تفنى، جميع مظاهر الرحمة التي ترى في علاقة الآباء بالأبناء، والمومنين بعضهم ببعض، والوالد بولده، والوالدة بولدها، وعلاقة جميع الكائنات، وجميع مظاهر الرحمة والرأفة والحنان كلها تدخل في قسمة واحدة، وهي مَجْلَى صفة الرحمن ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾(الأعراف:156)، وتسعة وتسعين للرحيم ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾(الأعراف:156). شاع بين الناس أن الله رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وذلك له شواهده ومنها هذا. الرحيم لشدة الرحمة، والرحمن لسعتها، والرحمة لسعتها يدخل فيها جميع الخلائق كفارا كانوا أم مومنين، أحياء كانوا أم غير أحياء، أم جمادات، أما اسمه الرحيم، فهو للمومنين ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾(الأحزاب:43)، تلك الرحمة تتجلى أساسا في الجنة، وفيما أعد الله لأهل الجنة، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾(يونس:26)، ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾(ق:35)، هذا الثواب العظيم جدا الذي نقيس الغائب فيه على الشاهد؛ فإذا كانت الرحمة الواحدة من المائة من رحمة الله قد غرق فيها جميع الخلائق فكيف هي هذه الرحمة؟

ومن ثم فالفرح أساسا بفضل الله وبرحمته ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ (يونس:58)، "ما من أحد يدخله عمله الجنة" فقيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني ربي برحمة" (رواه مسلم). ومِن تغمُّده برحمته التوفيق إلى فعل ما يوجب رحمته سبحانه وتعالى ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(الأعراف:43). فإذا هذه السلعة عظيمة الشأن جدا، شيء لا يت...